عالمنا الإسلامي: نحو مزيد من النقد الذاتي البناء

في ضوء التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم اليوم، عرف الجزء الإسلامي منه تطورات في المقابل، وبالضبط مراجعة فكرية في التصورات العامة عن الدين والتدين.
وبالنظر إلى النقاشات المطروحة في عالمنا العربي والإسلامي، خاصة ما يتعلق بقضايا الهوية والمجتمع، فرغم أن مجموعة من الثوابت التي كانوا يعتبرونها أمس مقدسا، فقد أضحت اليوم قابلة للنقاش والاجتهاد.
وسبب ذلك هو الحركية والدينامية الكبيرة التي يعرفها عالم من عوالم الأرض في ظل مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية تجعل مما هو فكري ضرورة للمراجعة من أجل الجواب على السؤال لماذ تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟
ومن هذا المنطلق يبدو أن النظريات الإسلامية في ظل الجمود الذي عرفته النصوص الإسلامية وعدم خضوعها إلى الاجتهاد الحقيقي في منهجية الإطار العام الذي من خلاله يمكن الحكم على الشيء أو إصدار فتوى فيه.
وكان الاشتغال فيما هو فقهي له أبعاد سياسية ويخدم الاستبداد أكثر مما يخدم التدين، مما دفع هذا الأمر إلى ظهور تيارات إسلاموية من داخل التيار الإسلامي الواحد، تدعو إما إلى المراجعة نحو مزيد من الانفتاح بمبدأ التوافق والتحاور والاتفاق الجزئي على المشترك وفرض هذه القيم بالأساليب الفكرية والأخلاقية المعمول بها من منطلق إنساني.
وتيار ثاني يدعو إلى المراجعة من منطلق نظرية الصراع وعدم محاولة فهم اختلاف الآخر عنه، وإعطاء تفسير أي مسألة خلافية بمبرر نظرية المؤامرة، وهذا هو جوهر المشكل.
وفي هذه النقطة بالذات التي تتعلق بنظرية المؤامرة فلست متطرفا في هذا الأمر إلى أي فئة من الفئات، فالمؤامرة تثبت ذاتها بالسلب أو الإيجاب، أما إذا لم تثبت فالحقيقة أن العالم يحتاج إلى مزيد من الفهم في ضوء الاختلاف وحتى الخلاف، إذ أن المؤامرة محتملة لكن ليس بتطرف، وغيابها محتمل ولكن ليس بغلو.
وهذا التفكك أو بتعبير إيجابي تنوع، يجعل الفكر الإسلامي أكثر سجالا فيما ستحمله العشر سنوات القادمة، مما سيجعل النقاشات تنتج عنها خلاصات في نقد التاريخ والأمة والدين من أجل الاستفادة أكثر من أخطاء السلف، وتدبير أكثر عقلانية وعلمية للصراع الذي يعرفه العالم.
وإن كان الحوار هو الأساس النهضوي الذي يجب على المسلمين اتباعه لمزيد من الفهم، فإن معطيات الأرض في التطورات السياسية والاقتصادية فيها من التشابكات التي قد تكون في صالح الدول الإسلامية إن وعت جيدا بضرورة المراجعة والاهتمام بالتنمية أكثر وخلق أصدقاء كثر بدل أعداء متفرقين ومجتمعين.
والساحة الدولية اليوم تشهد صراعات إقليمية يعتبر فيها الفاعل الإسلامي هو بطلها الرئيسي، ففي أي رقعة من الرقع تجده فيها، ليس لأنه مولوع بأن يكون مرتعا لهذه المعارك، وإنما للضرورة التاريخية والتقلبات التي يعرفها العالم في كل مرة دائما يعتبر فيها العالم الإسلامي هو الكعكة في كل ذلك خصوصا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
والحكام في هذه الدول لهم تحالفات مع دول قوية إما إلى اليمين أو اليسار بالمفهوم الجغرافي وليس الإديولوجي، مما يدل على مدى التبعية التي تتسم بها هذه الدول، ويتطلب الأمر مزيدا من التمسك بقيم الاستقلال الحقيقي بالقرار مما يخدم العالم ككل.
وخدمة عالمنا الإسلامي الحقيقية هي ضمان السلم والأمن في العالم بالطرق الحضارية بدل الحروب، وكذلك تخلص هذه الدول الإسلامية من الاستبداد الذي كان العامل الحقيقي للتزعزع القيمي والاقتصادي، وهذا التغيير ليس عنفيا وإنما يكون بتراكم الإيمان بحب الوطن وإشاعة نفس الوعي والحوار والنقاش الجاد ومزيد من النقد الذاتي البناء.