أرشيفات التصنيف: غير مصنف

لا تضع هدفا لحياتك قبل أن تفكر في هذه الأشياء (1)

في غياب النقد الحقيقي للذات يحضر التضخم والأنا العليا لدى صاحب الفكرة سواء كان شخصا أم مؤسسة أم دولة أم أمة.
وينحو الكثيرون دائما إلى الهروب إلى أسئلة سابقة لأوانها في مقاربة الحياة والتدبير والتنظيم، فلا يستقيم بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن هدف أو رسالة واقعية ما لم تتوفر شروط قيدية لتحقق القابلية في التفكير المتحرر لتحديد الأهداف..
وأيما فكرة لم تراعي هذه الشروط فإنها تعيش في بؤرة معزولة عن الواقع وتحدياته بعسله ومره وتضحى هدفا للاستعمال العكسي..
فإلى جانب ذلك هناك أسئلة مؤرقة تلوح في الأفق حينما نبحث عن هذه الشروط تتسم بملمحها الوجودي أي أسئلة وجودية تعود بنا إلى الأصل..
إن أول شرط لوضع هدف قابل للتحقيق هو تشبيك الحلقات الضائعة من الحياة وانسجامها في قالب متناغم يراعي في عين الاعتبار الواقع المعاش والإمكانات القيمية والسلوكية، ثم ثانيا هناك توفير الظروف الملائمة للمعرفة والممارسة المفضية إلى إنضاج الرؤية لصياغة الهدف الواقعي المراد تحقيقه..
ثم في نقطة ثالثة وجود منهجية ومنهج، منهجية مجربة لها قواعد ناظمة تراعي الإمكانيات المعرفية والعقدية والجسمانية، ومنهج قارئ لمعالم التصور الأساسي لصياغة الهدف ثم رؤيته وأهم خطوطه العريضة ومخططاته الإجرائية الناظمة..
وأخيرا القابلية للصعود والأفول وتمرين الذات على تحويل الأزمة إلى ورشة للعمل والإنتاج سواء كان معرفيا أو تطبيقيا..
تلك بعض المعالم العامة على أن نعود بالتفصيل في كل نقطة في تدوينات مقبلة بحول الله..

الشباب المغربي والاستلاب السياسي المشرقي

يوسف الفاسي
تكاد تكون جل قراءات الشباب المغربي للأوضاع السياسية ببلدهم تنصرف إلى الوضع بالمشرق ومحاولة إسقاطه على الوضع بالمغرب، ربما لأن الإعلام المشرقي متطور جدا مقارنة مع الإعلام في المغرب وباقي الدول المغاربية، سواء من خلال القنوات المصرية والسورية التي تفننت في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، أو القنوات الإخبارية في قطر والسعودية كالجزيرة والعربية، بالإضافة إلى الإنتاجات المشرقية والخليجية في الغناء والفيديو كليب والبرامج الغربية في نسختها العربية، ..
فأضحت ثقافتنا المغربية في حالة انعتاقها من السياج الغربي الاستعماري، تلبس سياجا جديدا وهو السياج المشرقي المتعدد الروافد، شرق أوسطي، خليجي، تركي وغير ذلك..
وواقع القول أنه ليس هناك مشكل في الاستفادة من أي ثقافة مهما تعددت في تطوير ثقافتك وتنميتها، لكن المشكل المثار هنا هو أن تصبح ثقافة الآخر هي ثقافتك وطريقة ونمط تفكير الآخر هو نمطك، ومشاكل الآخر نستوردها من أجل أن نبني مشاكلنا على مقاسهم..
أتذكر هنا دعوة وزير الدولة المرحوم عبد الله باها قبل سنوات لشبيبتي حركته وحزبه أثناء ترديد شعارات رابعة بمصر إلى الابتعاد عن المشرق والاهتمام بالمغرب، والانشغال بالوضع الداخلي لبلدهم أكثر والاهتمام بالخصوصية المغربية التي خلقت الاستثناء في كل شيء على حد تعبيره..
وإن كان الكثير يقولون بأن ليس هناك استثناء والمغرب ليس استثناء، فلماذا استحضار المشرق وخصوصيته وإسقاطه على المغرب؟ ولماذا إهمال الخصوصية المغربية واستثناءاته؟ أليس لكل بلد استثناءات؟ أليس لكل بلد إنجازات وإخفاقات استثنائية لا تجدها إلا عنده؟ أليس لكل بلد حجمه وتاريخه وحضاراته وعمره الحضاري وتاريخه وعمقه؟
المرحوم باها أثناء تجمع لمؤتمر لمنظمة التجديد الطلابي التخصص الطلابي لحركة التوحيد والإصلاح، لم يقف كلامه في هذا التوجيه، بل أبدى اعتراضه على رفع قواعد حزبه شعار “ثوار أحرار حنكمل المشوار” معللا قوله “أن هذا شعار ميدان رابعة العدوية وليس شعار كلية العلوم بالرباط” وهو المكان الذي أدلى فيه بهذا الكلام..
بل دعا المرحوم باها إلى عدم نقل مشاكل مصر إلى المغرب ونوه بالدور المغربي في الربيع العربي واستثنائه، والتضامن المغربي مع قضايا الأمة بما فيها فلسطين وما حدث في مصر وسوريا وباقي البلدان..
خطاب متوازن وواضح، أن تتضامن مع بلد ليس أن تصدر خطابه وكلامه بنفس الرنة، كأن تقول مثلا “مرسي رئيسي”، بينما لدينا في المغرب ملك منذ أزيد من 12 قرن، ثم تقول في شعار آخر “ثوار أحرار حنكمل المشوار”، وهو شعار باللكنة المصرية وليس المغربية أولا، ثم أن الثائر في مفهومه السياسي هو الحانق على النظام والمطالب بزواله، وأنا متأكد أن الشباب المغربي لا يقصد ذلك ولكنه يريد أن يعبر عن تضامنه بأي شكل من الأشكال، لكن لا ننسى أننا مغاربة وأن تضامننا مع الأمة يجب أن يبقى مغربيا وأن ثقافتنا يجب أن تكون مغربية لا مشرقية ولا فرنكفونية ولا حتى أنجلوساكسونية، هكذا نتقدم وهكذا نتميز، فإذا كنا نتعصب لقضايا الآخر بثقافته، فلماذا لا نتصعب لقضايانا بثقافتنا؟ أو على الأقل لنتضامن مع قضايا الآخر بثقافتنا فنكون بذلك قد كسبنا رهان التضامن بل استيراد المشاكل ونقول “أن المغرب في الطريق إلى ما آلت إليه الدولة المشرقية الفلانية” و”إذا امحت الدولة المشرقية كذا سيكون المغرب كذا”، مع أن المغرب عمره قرون وتجد الدولة المشرقية الأخرى لم تكمل بعد حتى 70 سنة وهنا يجب أن يكون خطابنا متوازنا وعلميا وعقلانيا لا خطابا نابعا من عاطفة ورد فعل أو إرهاب إعلامي..

وفي المقابل قام مجموعة من الشباب المغاربة باستلهام اسم حركة “تمرد” المصرية بالمغرب وعلى نسقها ووفق نفس الآليات التي استطاعت من خلالها الانقلاب على الإسلاميين في مصر، حاولت على نفس النسق نظيرتها المغربية التي استنسخت نفس الإسم ونفس القالب الانقلاب على الإسلاميين في المغرب، إلا أنها فشلت بسبب ضعف صبيب صوتها لدى العمق الشعبي ونشازها في وقت كانت التقاطبات السياسية بالمغرب في أوجها بسبب الارتياح الذي خلفته الملكية للائتلاف الحكومي الذي ضم إسلاميين ويساريين ومحافظين وليبراليين..
إنها محاولة لكي نكون أكثر وعيا ورقيا واحترافية واستيعابا لمشاكل الآخر، كما أنها دعوة لمزيد من الاهتمام والمتابعة لمشاكلها وتوجيهها وتثوير الوعي فيها نحو مزيد من الإصلاح والرقي والعطاء والإنجاز..

كلام في الأخلاق

يوسف الفاسي
(1)
قديما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ، حيث أن بعثته صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام جاءت لتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الأخلاق في المجتمع العربي وباقي المجتمعات الشرقية والغربية وتكميلا لبعضها الصحيح..
والتغيير من خلال الأخلاق هو أس التغيير، حيث ينجم عن تمثله في كثير من المجالات كالمجتمع والاقتصاد والسياسة مثلا انعطافا ملموسا وذو أثر بيّن عبر تربية الأجيال على القيم الحسنة..
(2)
والبعد الأخلاقي مختلف كثيرا عما هو وعظي حيث أن الوعظ هو جزء من التربية على الأخلاق، فتتميم الأخلاق كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو متعدد الأبعاد في وسائله، فكلام في رقائق الدين يسكن النفس ويبكي الأعين ليس له أثر بين بقدر ما يكون تغييرا فعليا في سلوكيات الحياة، فهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يخصص جزءا من غنائم حنين للمؤلفة قلوبهم (هم الذين أسلموا حديثًا، سواء من أهل مكة الطلقاء أو من الذين أسلموا من الأعراب قبل فتح مكة مباشرة)، وهذا الفعل له ثلاث مقاصد أساسية وهي: تليين القلوب وتحبيب الدين وتغليب محبة الإسلام على محبة المادة، لأن ذلك يمنح لحديثي العهد بالإسلام مساواة أمام قديمي العهد، حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض سواء من كبر القديم أو حقد الحديث..
(3)
وما بين حديث العهد في الإسلام وقديمه لا توجد أية ميزة بالمدة الزمنية أو المكانة الاعتبارية، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم حسم الأمر في التمايز على أساس التقوى لا غير وأنه لا يصح إلا الصحيح، فكان اعتراف عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ على قدر رفعته عند الله سبحانه وتعالى وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم وثاني الخلفاء الراشدين المهديين؛ أمام امرأة من قريش اعترضته في مسألة من الشرع بردّه المشهور “أصابت امرأة وأخطأ عمر” ، ليس إلا أنه تخرّج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلم علما يقينا أنه لا تمايز عن البقية إلا برحمة من الله وعفو منه على أساس مبدأ التقوى خصوصا إن وجد غيره أحق مما يراه حقا فهو مستعد للاعتراف بخطئه مهما كبر مقامه عند الله عز وجل، وماذا عن الذين يشعرون بأنهم كبار في سلطتهم وقيادتهم ومالهم في الدنيا أما يستحيون من الله ويقتدون بعمر؟..
(4)
فأساس التفاضل اليوم والكمال الإنساني عند البشر مربوط في الغالب بالمال والسلطة والنفوذ حتى في المشاريع النبيلة، رغم أن الإسلام جعل التقوى هي هذا الأساس الذي يمكن أن تنصلح به أوضاع المجتمعات المريضة بأوبئة الفساد والانحلال الأخلاقي والاستبداد الأزلي.
وصناعة الإنسان التقي تقتضي صناعة نموذج إنساني ينتصر بممارساته قبل شعاراته، حيث يكتسب سمعة لدى الأغيار بسبب منظومته القيمية المرتكزة على قواعد ومعايير مختلفة تماما عما هو معمول به فيما تحكمت فيهم العقليات والنظريات المستلبة لما نص عليه الوحي القرآني والسنن الكونية.
لتصنع بذلك هذه العقليات والنظريات الْمُسْتَلِبَة قطيعة مع الإنسان في إنسانيته ويركنون بذلك إلا المتحكمات المادية المُكْرِهَة.. والانفكاك عنها يحتاج إلى مراس طويل يشبه إلى حد ما تكتيك المسافات الطويلة في سباق العدو الريفي..
(5)
وانسجام الإنسان مع منظور القرآن والسنن الكونية في ممارسة الأخلاق هو الكفيل بتكوين إنسان إنساني، ويقتضي ذلك نفسا عميقا للغوص في كل مرة في عمق بحر الحياة ومتطلباتها وفق الدورة العمرية للإنسان واحتمال الصعود والأفول وضمان شروط النهوض وآليات الاستمرار وتقبل الواقع كما هو من أجل تغييره وفق نموذج متجدد بنفس القيم، لكن لا يكرر نفس النماذج التي سبقت ولا يستنسخ خطاباتهم، فالخطاب الأخلاقي هو خطاب قد يتفق الجميع في شعاراته لكن أثناء الممارسة لن يكون مثيرا ولا جاذبا لأن بضاعتك تسترخصها بأن استنسخت نفس خطاب أجدادك الذين نجحوا لأنهم جددوا خطاب آبائهم، لكنك فشلت لأنك قلدت خطابهم..
(6)
وتجديد الخطاب الأخلاقي يتطلب أولا، صدقا مع الله ومع النفس، وثانيا قربه من الواقع المعاش وثقافة المخاطَب دون فلسفة أو مصطلحات معقدة، ثم قربه من هموم الناس وبعده عن المثالية، وأن يكون سقفه مرتبطا بتطلعات المخاطَب، فهو ينتظر منك ألا تجلده ولا تأنبه، فهو يجلد نفسه كل يوم، ويأنب نفسه كل ساعة، كما يطلب منك أن ترطب قلبه وتلينه برفق، لا أن تسكب عليه رقائقك فينظر إليك كالنبي الذي يحدثه بوحي، كن قريبا منه ولا تقدم نفسك شخصا مثاليا، حدثه أنك تخطأ أيضا كما يخطئ، لكنك تختلف عنه أن لديك إرادة قوية وإصرارا على تصحيح المسار مهما كانت المعيقات ومهما كان الطريق طويلا والظلام دامسا فالكل يخطئ، حدثه أن فيه خيرا وقد تنقلب آيته ويضحى أفضل من الذين يشهد لهم بالولاية، حدثه أن داخله مارد قد يقلب حياته رأسا على عقب، حدثه أن الحياة قصيرة لكن سيصلح نفسه بالتدريج وكلما أصلح فيه جانبا إلا وخفف عن نفسه شيئا من العذاب واقترب من نسمات الجنة.. حدثه كأنك تحدث نفسك لكن ابتعد عن المثالية..
(7)
وسؤال النموذج الأخلاقي يعد اليوم من الأسئلة الأكثر جدلا، ما بين الشكل والمضمون والتمثلات سواء منها الدينية أو الاجتماعية أو العلمية، فمفهوم النموذج هنا نقصد به مصطلح “القدوة”، إلا أننا في هذا العصر، ارتبط هذا الأخير بما هو تقليدي، فنظرتنا للنموذج دائما تكون بالتمثلات التي تعلمناها خاصة بما هو ديني استنبط مضمونه الشكلي من المجتمع المتدين، ومن هنا يثور التساؤل حول النموذج الأخلاقي الذي نريد، فمن منظور ديني نريده نموذجا نبويا خالصا، ومن منظور اجتماعي ننتظر منه قوة تواصلية ومعرفة ثقافية واسعة بالبيئة المتواجد فيها، والثقافات الأخرى إن تطلب الأمر، ومن منظور علمي ننظر إليه ذلك العارف المنقذ من الضلال والذي يجب أن يفقه في كل شيء.. وحاصل القول أن النموذج الأخلاقي الحقيقي هو نموذج يتصف بالصدق دينيا والبساطة مجتمعيا والحقيقة علميا بدون تزيف ولا تغلف ولا تزلف..
(8)
والأخلاق بطبيعتها تهذب المجتمع، وتخدم عوامل التنمية بالدولة، وذهاب الأخلاق من المجتمع أو بداية انفلاتها علامة على الانحدار والأفول، وتنمية الأخلاق من تنمية الدولة، فالأسرة ملزمة بصناعة منظومة أخلاقية راقية وضمان السبل لصناعة جيل متخلق مؤمن بالقيم الحضارية الإنسانية التي من خلالها يكون المنطلق صحيحا لنهضة الإنسان والمجتمع والدولة والأمة..
(9)
وبناء منظومة الفرد الأخلاقية هي بالضرورة بناء للأسرة التي تخرج نماذجا للمجتمع سواء في فضاءاتها الحيوية كالمدرسة أو الجامعة أو الإدارة، أو عنصرا مؤثرا يرتقي مستوى التأثير فيه إلى الدولة والأمة، حيث ينعكس ذلك في تحسن السلوكيات ورقيها حتى توسم بالمتحضرة جراء التوريث الأخلاقي عبر الأجيال، فقد أنبت لنا الفرد المتخلق أسرة أخلاقية فمجتمعا ودولة أخلاقية لننعم بأمة أخلاقية تتهافت على نموذجها الدول والأمم الأخرى لأننا تتبعنا السنن الكونية في الصلاح والإصلاح عبر البناء القيمي المتسلسل الذي يترجم إلى أعمال في الميدان وإنجازات تسمو بالإنسان إلى أصوله الإيمانية والمعرفية.. فقط بوقود الأخلاق
(10)
ووقود الأخلاق تتجه إلى ثلاثة جبهات لتحريك جذوة الاشتعال والاشتغال الأخلاقي فيها:
– أولا نحتاج إلى روح حية متأملة وقلب خافق وقوي بالإيمان،
– ثانيا نحتاج إلى نفس صافية راقية وبيضاء لا تعرف للحقد ولا للحسد طريقا وتحب الخير للجميع،
– ثالثا نحتاج إلى جسد ذي همة عالية يسارع للخيرات دون كلل أو ملل أو كسل،
(11)
وإذا كانت الروح والنفس والجسد هي جبهات ثلاث لوقود الأخلاق، فلا بد لنا أن نفكك تركيبة هذه الوقود، فهي شحنات الباطن والظاهر للنفس في التفكر والشعور والسلوك ينظمهم القلب والعقل، دون أن يغفل الإنسان عن وجود محفزات علمية ووعظية وحركية للإنجاز..
(12)
فلا أخلاق بدون أثر، فنهاية الكلام أثر، ونهاية التفكر أثر، ونهاية الفعل أثر..
وبالأثر ينتقل الإنسان من الجمود إلى الحركة، ومن العجز إلى العمل، ومن الكسل إلى الاجتهاد، ومن التشاؤم إلى الاستنهاض، ومن الـتأثر السلبي إلى الـتأثير الإيجابي..
الأخلاق إنسان.. الأخلاق حياة.. الأخلاق معنى..

مشهد العالم العربي والأدوار الجديدة

الحالة الثورية التي شهدها العالم العربي مع انطلاق جذوة انتفاضة الشعوب عبر البلدان العربية تزعمها الشباب بدرجة أولى سواءا على مستوى الميدان أما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأدى ذلك إلى انخراط التيارات السياسية المعارضة في البداية بالتدريج وانخراط جزء من الشعب الساخط على الوضع والذي وصل إلى درجة الاحتقان، الشيء الذي أدى بنا إلى بروز مشهد ثوري لم تشهده البلدان العربية منذ عقود، وأصبح الكل يترقب إلى أين يمكن أين يصل هذا المشهد، وهل لهؤلاء الشباب الوعي والنضج الكافيين لإيصال الموجة الثورية إلى بر الأمان وإسقاط الفساد والاستبداد التي تشهده هذه البلدان العربية.

في حقيقة الأمر مع بروز الصدمة الثورية للغرب وما قد يحدثه ذلك من عدم توازن في المشهد السياسي لهذه المنطقة خصوصا منطقة الشرق الأوسط أضحى بذلك أمرا مقلقا خصوصا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الشيء الذي أدى إلى إعادة نسج السياسة الداخلية لهذه البلدان، لكن على ما يبدو أن هناك بعض بلدان الخليج التي كانت عامل استخدام من طرف البلدان الأخيرة لتقليل حدة هذه المخاوف فكان المشهد المصري أشبه بكثير بما حدث قبل سنوات بالجزائر مع حكم العسكر، ثم مشهد دموي استخدم فيه تيار متطرف لتشويه الإسلام فكانت داعش ومن يسير دربها، وكان المستفيد الأول من كل ذلك هو من يريد وقف مسلسل الديمقراطية والتحرر للبلدان العربية، خصوصا مع الصراعات الإقليمية والدولية للبلدان الغربية نموذج أمريكا وروسيا وهو ما تجلى في المشهد السوري وكذا المشهد الأوكراني.

الشباب في العالم العربي لم يكن نفسه طويلا في حقيقة الأمر وعرف انقساما بينا فيما يخص تقسيم كعكة الربيع كما ظنوا بداية، لكن مع توالي الأيام ظهر جليا لنا أن الدولة العميقة في كل هذه البلدان ما زالت تتحكم ولم يحدث شيء كبير لأن الأنظمة القديمة استغلت هذا الشرخ من أجل العودة إلى المشهد مرة أخرى مما أدى إلى ذبول الدور الشبابي على الأقل في هذه اللحظة.

لقد تنامى الدور الإماراتي والسعودي والقطري في الــتأثير على مشهد العالم العربي وأضحى هناك صراع خفي خصوصا مع الإمكانيات الكبيرة التي أضحت تتخذ في هذا الإطار مما أحدث شرخا بين هذه البلدان، ومع محاولات التقارب كانت الغلبة نسبيا للإرادة السياسية لكل من الإمارات والسعودية الذين استطاعا أن يدفعا قطر إلى طرد مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين بمصر من بلدها إلى تركيا ثم في مرحلة ثانية إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر باعتباره كان مطلبا مصريا منذ البداية، أما عن المشهد التونسي فقد كانت هناك شبه هيمنة لحزب السبسي خليفة نظام الدولة العميقة في تونس مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس هناك تشكيك في صدق نوايا الرغبة في انتقال ديمقراطي في دولة الياسمين.

على ما يبدو أن الإمكانيات التي صرفت في إخماد الموجة الثورية في البلدان العربية قد فعلت فعلها إلى إشعار آخر، ولكن ما يبدو جليا أن الأمر جد مؤقت خصوصا وأن المشهد السياسي كشفت فيه مجموعة من الحقائق وأن الشعوب العربية بدأت تظهر لهم إرادة نسبية يمكن لهم من خلالها الاختيار والتمييز والبحث عن الأصلح لبلدهم إما بمعيار الأكثر نفعا أو بمعيار الأقل ضررا، لذلك فإن الشعوب ستنتصر في الأخير لنفسها لأن التاريخ لا يرحم.

“ستيفاني” ورحلة البحث عن الروحانية

يوسف الفاسي

دفعها الفضول التعرف على الإسلام، واكتشاف مميزاته، فكان المسلمون بالنسبة لها هو أول ما شدها للدين، فقد قضت في العالم العربي أزيد من 6 سنوات حتى الآن، وتعلمت في المجتمع البحريني حيث تعيش قيم الكرم والترحيب، لاحظت أن بعض السكان لديهم قيم قوية وجميلة، وهذا هو ما جعلها تتساءل عن رسالة الإسلام.

الإعلامية الفرنسية والمصورة الاحترافية “ستيفاني رافل” منسقة إعلامية بمركز التسهيلات للإعلام بجامعة البحرين اعتنقت الإسلام ونطقت بالشهادتين في أواخر رمضان هذا العام، وهذه بعض النقاط المقتضبة من خلال حوار أجرته مع أحد الصحف البحرينية.
متابعة قراءة “ستيفاني” ورحلة البحث عن الروحانية

شيوخ السلفية بالمغرب: لماذا تخلوا عن أتباعهم لداعش والنصرة؟

بتاريخ 4 فبراير 2012 غادر شيوخ ما سمي بملف “السلفية الجهادية” أسوار السجون بالمملكة المغربية بموجب عفو ملكي تزامن مع احتفال المغاربة بذكرى المولد النبوي، وتعلق الأمر بكل من الشيخ حسن الكتاني، والشيخ عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبي حفص، والشيخ عمر الحدوشي، وسبقهم قبل ذلك الشيخ محمد الفزازي قبل بضعة أشهر بعفو ملكي أيضا. وكان شيوخ السلفية بالمغرب في ملف ما سمي بـ “السلفية الجهادية” الأربعة قد اعتقلوا عقب الأحداث التفجيرية الإرهابية التي استهدفت مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003 والتي خلفت عدة ضحايا من المغاربة والأجانب ما بين قتلى وجرحى.

وقد وجد شيوخ السلفية الأربعة بالمغرب أنفسهم بعد العفو الملكي أمام ملف ضخم يتمثل في الدفاع عن طلب إطلاق سراح باقي المعتقلين السلفيين في السجون المغربية، وتحديات جمة تكمن في  التكيف مع الوضع الجديد من خلال جس نبضهم من طرف الجهات الرسمية حول مدى المراجعات التي قاموا بها في مواقفهم السابقة التي وصفت بـ”المتشددة”. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تحدي آخر، حيث كانت مجموعة من أتباع شيوخ السلفية الأربع الذين كانوا معجبين بخطاباتهم ومواقفهم ينتظرون خروجهم من السجن من أجل إكمال المسيرة التي بدؤوها معهم قصد توجيههم “لإقامة شرع الله في الأرض”.

التكيف مع الوضع الجديد:

انتظرت الجهات الرسمية وكذلك الإعلام المغربي والدولي بتعدد روافده المراجعات التي قد يكون شيوخ السلفية قاموا بها خلال فترتهم التي قضوها في السجن، خصوصا أنهم قد استفادوا من عفو ملكي بعد قضائهم أقل من 8 سنوات من مدة حكم تراوحت ما بين 20 إلى 30 سنة، والمبادرة التي ألقاها آنذاك الشيخ أبو حفص في رسالة بعثها إلى السلطات الرسمية بعنوان “أنصفونا” اشتملت على مجموعة من المراجعات النظرية. التكيف مع الوضع الجديد لم يكن سهلا أبدا، خصوصا الانتقادات الواسعة التي تعرض لها الشيوخ الأربعة من قبل محسوبين على التيار “الحداثي” بالمغرب إضافة إلى اصطياد بعض الزلات في التصريحات الصحفية من قبل بعض الجهات الإعلامية غير الرسمية. حيث توزعت أدوار الشيوخ الأربعة ما بين العمل السياسي والوعظي الرسمي وغير الرسمي والجمعوي.

الدفاع عن المعتقلين السلفيين المتبقين في السجون

بمجرد إطلاق سراح شيوخ السلفيين الأربعة كانت خطاباتهم موحدة بشأن إكمال المسيرة في الدفاع عن باقي السلفيين القابعين في السجون المغربية، إلا أن ذلك -رغم كل المجهودات التي كانت تلوح في الأفق والمبادرات التي قام بها بعض شيوخ السلفية وعلى رأسهم أبو حفص والكتاني بمعية جمعيات حقوقية يسارية وإسلامية وشخصيات وطنية – بدأ يخفت مع التطورات التي عرفها النسق السياسي الوطني والدولي، خصوصا مع تنامي التيارات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا واتجاه مجموعة من المغاربة المتشددين إلى هذه البلدان، مما جعل الشيوخ يتوجسون من هذا الملف ويبرؤون أنفسهم منه، خصوصا مع “اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين السلفيين” التي كانت ولازالت تتبنى هذا الملف وتضم مجموعة كبيرة من التيار السلفي بالمغرب، حيث وجدت  هذه اللجنة تخاذلا كبيرا من لدن بعض الشيوخ، الشيء الذي جعل مجموعة  من أفراد هذه اللجنة يتجهون إلى سوريا قصد القتال مع الجماعات الجهادية المتطرفة هناك أبرزهم ناطقهم الرسمي أنس الحلوي الذي قتل مؤخرا هناك.

هل احتضن الشيوخ الأربعة أتباعهم؟

على ما يبدو أن المراجعات التي قام بها الشيوخ الأربعة بدون سابق إنذار عكرت صفو أتباعهم الذين أعجبوا بهم قبل أحداث 16 ماي 2003 وطيلة مدة السجن التي قضوها، وهذا ما بدا جليا على صفحات  الشيوخ الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي والندوات التي كانوا يؤطرونها والخرجات الإعلامية التي كانوا يسطرون فيها مواقفهم ومراجعاتهم، ومع هذا التسارع في الأحداث والمواقف، لم يكن على الأقل علنا نية مسبقة بإجراء حوار داخلي للشيوخ الأربعة مع أتباعهم أو على الأقل مريديهم، من أجل ثنيهم عن الأفكار السابقة ومراجعتها عبر النقاش الفكري الهادئ وأخذ الوقت الكافي من أجل ذلك، فأغلب ما انشغل به الشيوخ الأربعة هو رد الفعل على الانتقادات وإعادة التموقع في المجتمع وفق الوضعية الجديدة، وبالتالي كان من الصعب القول أن هناك احتضان كلي وحوار رسمي على اعتبار أن هذا التحدي في الأصل كان من المفترض أن يكون أولى الأولويات التي  على الشيوخ الأربعة وضرورة إعطاءها الوقت الكافي لتنضج.

خيبة أمل تلاها تدعش أو تنصر

مع خيبة أمل بعض مريدي الشيوخ السلفيين الأربعة، لم يعد لبعض “السلفيين الجهاديين” في المغرب شيخ، مما جعل الفرصة سانحة لهم من أجل التشدد أكثر فأكثر، والاتجاه نحو البؤر المتوترة في العالم العربي بعد التطورات التي عرفها موجة الربيع في الدول العربية، فكانت سوريا والعراق مركزين أساسيين لهجرة الجهاديين المتشددين المغاربة حيث رصد تقرير كشف عنه معهد «غولف ميلتري انلايسيس» أن عدد المغاربة الذين يقاتلون في سوريا يبلغ ثمانية آلاف مغربي ينحدرون من مناطق مختلفة من المغرب، إضافة إلى عدد من الحاملين لجنسيات بعض الدول الأوربية خاصة فرنسا وبلجيكا، وذلك خلافا لرقم 1500 مقاتل مغربي الذي تداوله الإعلام سابقا، وذلك استناد إلى معلومات حصل عليها المعهد من مصادر مغربية رسمية، وقد انضم هؤلاء المقاتلون المتشددون المغاربة إما إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” داعش، أو جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة، مما يثير أكثر من علامات استفهام حول الدور الذي كان من الممكن أن يلعبه شيوخ السلفية الأربعة في ثني هؤلاء السلفيين عن السفر للقتال في هذه البلدان عبر حوار فكري حجاجي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية السلفية.

يوسف الفاسي