أرشيفات التصنيف: إسلاميين

أيها المتأدلجون!!

أثناء تفحصي لنقاشات المختلفين إديولوجيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الخبرية أو البرامج التلفزيونية، أكون سعيدا حينما يكون الحوار راقيا يقف عند تقاذف الأفكار وتذييل الخلافات الشخصية وتبيين الاختلافات الفكرية..

تنتابني السعادة كثيرا حينما أجد مؤدلجين مبدئيين، يشجعون مخالفهم حينما يقول الصواب ويناقشونه بالحجة حينما يختلفون معه..
أكون سعيدا جدا حينما أجد الابتسامة تملأ جوف كليهما، لا حقدا، وإنما بسبب حرارة النقاش والإعجاب بمستوى كليهما المتبادل..

قليل هي مثل هذه النقاشات حاليا لكنها مهمة وتضيف شيئا مهما في ساحة الاختلاف سواء كان سياسيا أو فكريا أو ثقافيا، ويعتبر مبدأ القبول بالآخر السمة البارزة لفتح باب للحوار الناضج المثمر المفيد..

لكن للأسف الشديد ثمة ما يعكر صفوي أثناء تتبعي لنقاشات أخرى من هذا النوع، حينما نجد أن الأمر ينتقل من نقاش فكري إديولوجي، إلى سب وشتم وحقد وقذف متأدلج..

إن أمرا مثل هذا يحتاج إلى تحسيس وتوعية بخطورة الأمر، لأنه يولد الكراهية والحقد المتبادل بين المختلفين فكريا، وقد يتطور الأمر إلى قبلية أو طائفية أو اصطفاف ثنائي متأدلج، كما يريد أن يصور البعض، فنجد ثنائيات تدل على ذلك وتصور العداء ربما هو مفتعل وقد يكون مقصودا أو غير مقصود.. من قبيل “سني-شيعي”، “مسلم-يهودي”، إسلامي-علماني”، مسلم-مسيحي”.. لكن العدو الحقيقي ليس في هذه الثنائيات..

إن العدو الحقيقي أيها المتأدلجون الذي يجب أن ننتبه له هو ذلك التطرف الذي قد ينبع بسبب التأدلج، والتعصب للنسق الفكري الذي تنتمي إليه الأطراف المتحاورة.. مما ينمو بشكل صدامي قد ينتج عنه العنف لا قدر الله..
ومثل هذه المظاهر تتطلب انخراط مختلف الفاعلين المثقفين والسياسيين وحتى الدينيين في بعض الحالات.. من أجل القضاء على الإرهاب الحسي واللفظي والفعلي..

وبذلك فإن نقاشنا في هذا الاتجاه سيقطع الطريق أمام التطرف الكبير ومن يشجعه خصوصا من قبيل داعش وأزلامها ومن يقوم مقامها..

أما آن الأوان للحركات الإسلامية أن يتخلوا عن مصطلح “إسلاميين”؟

من بين النقاشات الجريئة التي لم تستطع الحركات الإسلامية في المغرب والعالم إعادة مراجعتها أو على الأقل لم تكن لها الشجاعة الكافية لطرحها هو  صلاحية مصطلح “إسلامي”، الذي له مدلول أدبي وفكري قبل كل شيء ولم يكن أبدا له مدلول سياسي إلا بعد ظهور تيارات سياسية دخيلة على المجتمع الإسلامي من “ليبرالية” و”ماركسية” و”شيوعية” و”علمانية”، فكان حريا على الحركة الإسلامية أن تموقع نفسها من هذا المنطلق إلا أنها لم تكن موفقة في تقديرها، على اعتبار أن الإسلام أكبر من هذه التيارات سواء على مستوى شموليته أو إحاطته بجوانب لم تستطع التيارات السياسية الأخرى تناولها مما أصبح هذا المصطلح من الثوابت التي لا يجب مسها أو مناقشتها من بعض مكوناته وإلا يعتبر ذلك من صميم المس بالمنطلقات.

الزخم الفكري والمعرفي الذي يتضمن الدين الإسلامي بالإضافة إلى ما هو سلوكي وأخلاقي وشرعي، جعل من الإسلام شعلة لا يمكن مسها بمعنى التمثيل السياسي أو الخلط ما بين مفارقة “الدين_القيمة” و”الدين_الشخص”، الذي قد يقلب المعايير ويجعل منك طائفة معزولة داخل المجتمع لك روادك ومريدوك لأنه لديك مرجعية إسلامية إلا أنك قد تعيش تناقض الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي بواقعه وخصوصيته.
إن استعمال مدلول “إسلامي” لم يكن وليد اللحظة بل مصطلح قديم الاستعمال في أدبيات الفكر الإسلامي القديم وليس من مخترعات الصحوة الإسلامية المعاصرة كما قد يظن البعض وقد ألف أبو الحسن الأشعري {ت324هـ} كتابا شهيرا تحت عنوان ” مقالات الإسلاميين ” كما ألف معاصره أبو القاسم البلخي {ت 316هـ} وهو أحد أئمة المعتزلة كتابا تحت العنوان ذاته.
وهذا المصطلح لا يستخدم – قديما و لا حديثا – باعتباره مرادفا لمصطلح ” المسلمين” ، “فالمسلمون” هم كل من يتدين بدين الإسلام أما “الإسلاميون ” فإنهم طلائع الفكر والعمل الإسلامي ، المشتغلون بصناعة الفكر، والذين يقودون العمل لوضع هذا الفكر في الممارسة والتطبيق .. فكل “إسلامي “هو مسلم وليس العكس دائما بصحيح”، مقتطف من كتاب “عن الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين” لمحمد عمارة:7

واستغل الغرب هذا المصطلح من جانبه في أواخر القرن 18 وبداية القرن 19 من أجل التفريق بين المسلمين والإسلاميين، وقد تحدث مؤخرا الفيلسوف طه عبد الرحمن عن هذه المفارقة في محاضرته الأخيرة قبل شهور قليلة والتي قدمها بالمكتبة الوطنية بالرباط استضافها “مركز مغارب” بعنوان “سماء فارغة وعالم بلا حدود”، حيث أنه استعمل مصطلح الإسلاميين في مدلوله الفكري، وانتقد مدلوله السياسي الذي يفرق بين المسلمين.
وكان مصطلح “إسلامي” مطية أيضا من طرف بعض التيارات الغربية حينما فرقوا بين الإسلاميين والمسلمين في اعتبار الإسلاميين إرهابيين وعن طريقهم يتم تسويق صورة سيئة عن الإسلام على اعتبار أنهم ممثليه وواجهته، أما المسلمين فمجرد تابعين وجزء من المجتمع.
ونجد الدكتور أحمد الريسوني في كتابه “الحركات الإسلامية صعود أم أفول” يتحدث عن مصطلح الإسلاميين قائلا “صفة “الإسلاميين” هو إطلاق غربي واستعمال غربي … إلا أنه مع ذلك فإن وصف “الإسلامي” لا يخلو من دلالة قد تكون صحيحة لأنه قديما استعمل لفظ الإسلاميين، نحن نجد أبا الحسن الأشعري له كتاب :”مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين” وكان يقصد بالإسلاميين الفرق المنسوبة إلى الإسلام فكان في الحقيقة تعبيرا انتقاصيا بينما اليوم يراد به مسلم وزيادة ، مسلم لكن يزيد على المسلم العادي بمواقف معينة وانتماء سياسي وموقف سياسي ونضال سياسي أي ما يسمى عند البعض بالإسلام السياسي.

بالإضافة إلى ذلك نجد في بعض كتب التاريخ المغربي الحديث على إطلاق لفظة (إسلامي) على من كان والداه – أو أحدهما – كافرين فأسلما، منها قول صاحب المعسول – ضمن مذكرات القائد الناجم (20 – 68): “..والقائد الحبيب باقا الفطواكي الإسلامي الأم “وقد كانت أمه يهودية فأسلمت” …”، وفي كتاب (التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير) في مواضع (ابن سليمان الإسلامي).
فلذلك في ظل المعطيات والمستجدات المعاصرة التي يعيشها المجتمع الإسلامي وما تلاه من تطورات خصوصا بعد النقاشات التي تلاها صعود الاسلاميين الى الحكم بعد موجة الربيع العربي في بعض البلدان العربية، كيف تنظر الحركات الإسلامية للتمييز الديني الذي يفرقهم عن المجتمع ما بين نخبة “إسلامية” وقاعدة “مسلمة”؟، وهل آن الوقت لمناقشة مدى صلاحية هذا المصطلح حاليا والقابلية لمراجعته..؟

يوسف الفاسي