arablog.org

مشهد العالم العربي والأدوار الجديدة

الحالة الثورية التي شهدها العالم العربي مع انطلاق جذوة انتفاضة الشعوب عبر البلدان العربية تزعمها الشباب بدرجة أولى سواءا على مستوى الميدان أما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأدى ذلك إلى انخراط التيارات السياسية المعارضة في البداية بالتدريج وانخراط جزء من الشعب الساخط على الوضع والذي وصل إلى درجة الاحتقان، الشيء الذي أدى بنا إلى بروز مشهد ثوري لم تشهده البلدان العربية منذ عقود، وأصبح الكل يترقب إلى أين يمكن أين يصل هذا المشهد، وهل لهؤلاء الشباب الوعي والنضج الكافيين لإيصال الموجة الثورية إلى بر الأمان وإسقاط الفساد والاستبداد التي تشهده هذه البلدان العربية.

في حقيقة الأمر مع بروز الصدمة الثورية للغرب وما قد يحدثه ذلك من عدم توازن في المشهد السياسي لهذه المنطقة خصوصا منطقة الشرق الأوسط أضحى بذلك أمرا مقلقا خصوصا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الشيء الذي أدى إلى إعادة نسج السياسة الداخلية لهذه البلدان، لكن على ما يبدو أن هناك بعض بلدان الخليج التي كانت عامل استخدام من طرف البلدان الأخيرة لتقليل حدة هذه المخاوف فكان المشهد المصري أشبه بكثير بما حدث قبل سنوات بالجزائر مع حكم العسكر، ثم مشهد دموي استخدم فيه تيار متطرف لتشويه الإسلام فكانت داعش ومن يسير دربها، وكان المستفيد الأول من كل ذلك هو من يريد وقف مسلسل الديمقراطية والتحرر للبلدان العربية، خصوصا مع الصراعات الإقليمية والدولية للبلدان الغربية نموذج أمريكا وروسيا وهو ما تجلى في المشهد السوري وكذا المشهد الأوكراني.

الشباب في العالم العربي لم يكن نفسه طويلا في حقيقة الأمر وعرف انقساما بينا فيما يخص تقسيم كعكة الربيع كما ظنوا بداية، لكن مع توالي الأيام ظهر جليا لنا أن الدولة العميقة في كل هذه البلدان ما زالت تتحكم ولم يحدث شيء كبير لأن الأنظمة القديمة استغلت هذا الشرخ من أجل العودة إلى المشهد مرة أخرى مما أدى إلى ذبول الدور الشبابي على الأقل في هذه اللحظة.

لقد تنامى الدور الإماراتي والسعودي والقطري في الــتأثير على مشهد العالم العربي وأضحى هناك صراع خفي خصوصا مع الإمكانيات الكبيرة التي أضحت تتخذ في هذا الإطار مما أحدث شرخا بين هذه البلدان، ومع محاولات التقارب كانت الغلبة نسبيا للإرادة السياسية لكل من الإمارات والسعودية الذين استطاعا أن يدفعا قطر إلى طرد مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين بمصر من بلدها إلى تركيا ثم في مرحلة ثانية إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر باعتباره كان مطلبا مصريا منذ البداية، أما عن المشهد التونسي فقد كانت هناك شبه هيمنة لحزب السبسي خليفة نظام الدولة العميقة في تونس مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس هناك تشكيك في صدق نوايا الرغبة في انتقال ديمقراطي في دولة الياسمين.

على ما يبدو أن الإمكانيات التي صرفت في إخماد الموجة الثورية في البلدان العربية قد فعلت فعلها إلى إشعار آخر، ولكن ما يبدو جليا أن الأمر جد مؤقت خصوصا وأن المشهد السياسي كشفت فيه مجموعة من الحقائق وأن الشعوب العربية بدأت تظهر لهم إرادة نسبية يمكن لهم من خلالها الاختيار والتمييز والبحث عن الأصلح لبلدهم إما بمعيار الأكثر نفعا أو بمعيار الأقل ضررا، لذلك فإن الشعوب ستنتصر في الأخير لنفسها لأن التاريخ لا يرحم.

“ستيفاني” ورحلة البحث عن الروحانية

يوسف الفاسي

دفعها الفضول التعرف على الإسلام، واكتشاف مميزاته، فكان المسلمون بالنسبة لها هو أول ما شدها للدين، فقد قضت في العالم العربي أزيد من 6 سنوات حتى الآن، وتعلمت في المجتمع البحريني حيث تعيش قيم الكرم والترحيب، لاحظت أن بعض السكان لديهم قيم قوية وجميلة، وهذا هو ما جعلها تتساءل عن رسالة الإسلام.

الإعلامية الفرنسية والمصورة الاحترافية “ستيفاني رافل” منسقة إعلامية بمركز التسهيلات للإعلام بجامعة البحرين اعتنقت الإسلام ونطقت بالشهادتين في أواخر رمضان هذا العام، وهذه بعض النقاط المقتضبة من خلال حوار أجرته مع أحد الصحف البحرينية.
متابعة قراءة “ستيفاني” ورحلة البحث عن الروحانية

أما آن الأوان للحركات الإسلامية أن يتخلوا عن مصطلح “إسلاميين”؟

من بين النقاشات الجريئة التي لم تستطع الحركات الإسلامية في المغرب والعالم إعادة مراجعتها أو على الأقل لم تكن لها الشجاعة الكافية لطرحها هو  صلاحية مصطلح “إسلامي”، الذي له مدلول أدبي وفكري قبل كل شيء ولم يكن أبدا له مدلول سياسي إلا بعد ظهور تيارات سياسية دخيلة على المجتمع الإسلامي من “ليبرالية” و”ماركسية” و”شيوعية” و”علمانية”، فكان حريا على الحركة الإسلامية أن تموقع نفسها من هذا المنطلق إلا أنها لم تكن موفقة في تقديرها، على اعتبار أن الإسلام أكبر من هذه التيارات سواء على مستوى شموليته أو إحاطته بجوانب لم تستطع التيارات السياسية الأخرى تناولها مما أصبح هذا المصطلح من الثوابت التي لا يجب مسها أو مناقشتها من بعض مكوناته وإلا يعتبر ذلك من صميم المس بالمنطلقات.

الزخم الفكري والمعرفي الذي يتضمن الدين الإسلامي بالإضافة إلى ما هو سلوكي وأخلاقي وشرعي، جعل من الإسلام شعلة لا يمكن مسها بمعنى التمثيل السياسي أو الخلط ما بين مفارقة “الدين_القيمة” و”الدين_الشخص”، الذي قد يقلب المعايير ويجعل منك طائفة معزولة داخل المجتمع لك روادك ومريدوك لأنه لديك مرجعية إسلامية إلا أنك قد تعيش تناقض الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي بواقعه وخصوصيته.
إن استعمال مدلول “إسلامي” لم يكن وليد اللحظة بل مصطلح قديم الاستعمال في أدبيات الفكر الإسلامي القديم وليس من مخترعات الصحوة الإسلامية المعاصرة كما قد يظن البعض وقد ألف أبو الحسن الأشعري {ت324هـ} كتابا شهيرا تحت عنوان ” مقالات الإسلاميين ” كما ألف معاصره أبو القاسم البلخي {ت 316هـ} وهو أحد أئمة المعتزلة كتابا تحت العنوان ذاته.
وهذا المصطلح لا يستخدم – قديما و لا حديثا – باعتباره مرادفا لمصطلح ” المسلمين” ، “فالمسلمون” هم كل من يتدين بدين الإسلام أما “الإسلاميون ” فإنهم طلائع الفكر والعمل الإسلامي ، المشتغلون بصناعة الفكر، والذين يقودون العمل لوضع هذا الفكر في الممارسة والتطبيق .. فكل “إسلامي “هو مسلم وليس العكس دائما بصحيح”، مقتطف من كتاب “عن الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين” لمحمد عمارة:7

واستغل الغرب هذا المصطلح من جانبه في أواخر القرن 18 وبداية القرن 19 من أجل التفريق بين المسلمين والإسلاميين، وقد تحدث مؤخرا الفيلسوف طه عبد الرحمن عن هذه المفارقة في محاضرته الأخيرة قبل شهور قليلة والتي قدمها بالمكتبة الوطنية بالرباط استضافها “مركز مغارب” بعنوان “سماء فارغة وعالم بلا حدود”، حيث أنه استعمل مصطلح الإسلاميين في مدلوله الفكري، وانتقد مدلوله السياسي الذي يفرق بين المسلمين.
وكان مصطلح “إسلامي” مطية أيضا من طرف بعض التيارات الغربية حينما فرقوا بين الإسلاميين والمسلمين في اعتبار الإسلاميين إرهابيين وعن طريقهم يتم تسويق صورة سيئة عن الإسلام على اعتبار أنهم ممثليه وواجهته، أما المسلمين فمجرد تابعين وجزء من المجتمع.
ونجد الدكتور أحمد الريسوني في كتابه “الحركات الإسلامية صعود أم أفول” يتحدث عن مصطلح الإسلاميين قائلا “صفة “الإسلاميين” هو إطلاق غربي واستعمال غربي … إلا أنه مع ذلك فإن وصف “الإسلامي” لا يخلو من دلالة قد تكون صحيحة لأنه قديما استعمل لفظ الإسلاميين، نحن نجد أبا الحسن الأشعري له كتاب :”مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين” وكان يقصد بالإسلاميين الفرق المنسوبة إلى الإسلام فكان في الحقيقة تعبيرا انتقاصيا بينما اليوم يراد به مسلم وزيادة ، مسلم لكن يزيد على المسلم العادي بمواقف معينة وانتماء سياسي وموقف سياسي ونضال سياسي أي ما يسمى عند البعض بالإسلام السياسي.

بالإضافة إلى ذلك نجد في بعض كتب التاريخ المغربي الحديث على إطلاق لفظة (إسلامي) على من كان والداه – أو أحدهما – كافرين فأسلما، منها قول صاحب المعسول – ضمن مذكرات القائد الناجم (20 – 68): “..والقائد الحبيب باقا الفطواكي الإسلامي الأم “وقد كانت أمه يهودية فأسلمت” …”، وفي كتاب (التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير) في مواضع (ابن سليمان الإسلامي).
فلذلك في ظل المعطيات والمستجدات المعاصرة التي يعيشها المجتمع الإسلامي وما تلاه من تطورات خصوصا بعد النقاشات التي تلاها صعود الاسلاميين الى الحكم بعد موجة الربيع العربي في بعض البلدان العربية، كيف تنظر الحركات الإسلامية للتمييز الديني الذي يفرقهم عن المجتمع ما بين نخبة “إسلامية” وقاعدة “مسلمة”؟، وهل آن الوقت لمناقشة مدى صلاحية هذا المصطلح حاليا والقابلية لمراجعته..؟

يوسف الفاسي

شيوخ السلفية بالمغرب: لماذا تخلوا عن أتباعهم لداعش والنصرة؟

بتاريخ 4 فبراير 2012 غادر شيوخ ما سمي بملف “السلفية الجهادية” أسوار السجون بالمملكة المغربية بموجب عفو ملكي تزامن مع احتفال المغاربة بذكرى المولد النبوي، وتعلق الأمر بكل من الشيخ حسن الكتاني، والشيخ عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبي حفص، والشيخ عمر الحدوشي، وسبقهم قبل ذلك الشيخ محمد الفزازي قبل بضعة أشهر بعفو ملكي أيضا. وكان شيوخ السلفية بالمغرب في ملف ما سمي بـ “السلفية الجهادية” الأربعة قد اعتقلوا عقب الأحداث التفجيرية الإرهابية التي استهدفت مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003 والتي خلفت عدة ضحايا من المغاربة والأجانب ما بين قتلى وجرحى.

وقد وجد شيوخ السلفية الأربعة بالمغرب أنفسهم بعد العفو الملكي أمام ملف ضخم يتمثل في الدفاع عن طلب إطلاق سراح باقي المعتقلين السلفيين في السجون المغربية، وتحديات جمة تكمن في  التكيف مع الوضع الجديد من خلال جس نبضهم من طرف الجهات الرسمية حول مدى المراجعات التي قاموا بها في مواقفهم السابقة التي وصفت بـ”المتشددة”. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تحدي آخر، حيث كانت مجموعة من أتباع شيوخ السلفية الأربع الذين كانوا معجبين بخطاباتهم ومواقفهم ينتظرون خروجهم من السجن من أجل إكمال المسيرة التي بدؤوها معهم قصد توجيههم “لإقامة شرع الله في الأرض”.

التكيف مع الوضع الجديد:

انتظرت الجهات الرسمية وكذلك الإعلام المغربي والدولي بتعدد روافده المراجعات التي قد يكون شيوخ السلفية قاموا بها خلال فترتهم التي قضوها في السجن، خصوصا أنهم قد استفادوا من عفو ملكي بعد قضائهم أقل من 8 سنوات من مدة حكم تراوحت ما بين 20 إلى 30 سنة، والمبادرة التي ألقاها آنذاك الشيخ أبو حفص في رسالة بعثها إلى السلطات الرسمية بعنوان “أنصفونا” اشتملت على مجموعة من المراجعات النظرية. التكيف مع الوضع الجديد لم يكن سهلا أبدا، خصوصا الانتقادات الواسعة التي تعرض لها الشيوخ الأربعة من قبل محسوبين على التيار “الحداثي” بالمغرب إضافة إلى اصطياد بعض الزلات في التصريحات الصحفية من قبل بعض الجهات الإعلامية غير الرسمية. حيث توزعت أدوار الشيوخ الأربعة ما بين العمل السياسي والوعظي الرسمي وغير الرسمي والجمعوي.

الدفاع عن المعتقلين السلفيين المتبقين في السجون

بمجرد إطلاق سراح شيوخ السلفيين الأربعة كانت خطاباتهم موحدة بشأن إكمال المسيرة في الدفاع عن باقي السلفيين القابعين في السجون المغربية، إلا أن ذلك -رغم كل المجهودات التي كانت تلوح في الأفق والمبادرات التي قام بها بعض شيوخ السلفية وعلى رأسهم أبو حفص والكتاني بمعية جمعيات حقوقية يسارية وإسلامية وشخصيات وطنية – بدأ يخفت مع التطورات التي عرفها النسق السياسي الوطني والدولي، خصوصا مع تنامي التيارات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا واتجاه مجموعة من المغاربة المتشددين إلى هذه البلدان، مما جعل الشيوخ يتوجسون من هذا الملف ويبرؤون أنفسهم منه، خصوصا مع “اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين السلفيين” التي كانت ولازالت تتبنى هذا الملف وتضم مجموعة كبيرة من التيار السلفي بالمغرب، حيث وجدت  هذه اللجنة تخاذلا كبيرا من لدن بعض الشيوخ، الشيء الذي جعل مجموعة  من أفراد هذه اللجنة يتجهون إلى سوريا قصد القتال مع الجماعات الجهادية المتطرفة هناك أبرزهم ناطقهم الرسمي أنس الحلوي الذي قتل مؤخرا هناك.

هل احتضن الشيوخ الأربعة أتباعهم؟

على ما يبدو أن المراجعات التي قام بها الشيوخ الأربعة بدون سابق إنذار عكرت صفو أتباعهم الذين أعجبوا بهم قبل أحداث 16 ماي 2003 وطيلة مدة السجن التي قضوها، وهذا ما بدا جليا على صفحات  الشيوخ الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي والندوات التي كانوا يؤطرونها والخرجات الإعلامية التي كانوا يسطرون فيها مواقفهم ومراجعاتهم، ومع هذا التسارع في الأحداث والمواقف، لم يكن على الأقل علنا نية مسبقة بإجراء حوار داخلي للشيوخ الأربعة مع أتباعهم أو على الأقل مريديهم، من أجل ثنيهم عن الأفكار السابقة ومراجعتها عبر النقاش الفكري الهادئ وأخذ الوقت الكافي من أجل ذلك، فأغلب ما انشغل به الشيوخ الأربعة هو رد الفعل على الانتقادات وإعادة التموقع في المجتمع وفق الوضعية الجديدة، وبالتالي كان من الصعب القول أن هناك احتضان كلي وحوار رسمي على اعتبار أن هذا التحدي في الأصل كان من المفترض أن يكون أولى الأولويات التي  على الشيوخ الأربعة وضرورة إعطاءها الوقت الكافي لتنضج.

خيبة أمل تلاها تدعش أو تنصر

مع خيبة أمل بعض مريدي الشيوخ السلفيين الأربعة، لم يعد لبعض “السلفيين الجهاديين” في المغرب شيخ، مما جعل الفرصة سانحة لهم من أجل التشدد أكثر فأكثر، والاتجاه نحو البؤر المتوترة في العالم العربي بعد التطورات التي عرفها موجة الربيع في الدول العربية، فكانت سوريا والعراق مركزين أساسيين لهجرة الجهاديين المتشددين المغاربة حيث رصد تقرير كشف عنه معهد «غولف ميلتري انلايسيس» أن عدد المغاربة الذين يقاتلون في سوريا يبلغ ثمانية آلاف مغربي ينحدرون من مناطق مختلفة من المغرب، إضافة إلى عدد من الحاملين لجنسيات بعض الدول الأوربية خاصة فرنسا وبلجيكا، وذلك خلافا لرقم 1500 مقاتل مغربي الذي تداوله الإعلام سابقا، وذلك استناد إلى معلومات حصل عليها المعهد من مصادر مغربية رسمية، وقد انضم هؤلاء المقاتلون المتشددون المغاربة إما إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” داعش، أو جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة، مما يثير أكثر من علامات استفهام حول الدور الذي كان من الممكن أن يلعبه شيوخ السلفية الأربعة في ثني هؤلاء السلفيين عن السفر للقتال في هذه البلدان عبر حوار فكري حجاجي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية السلفية.

يوسف الفاسي