الشباب المغربي والاستلاب السياسي المشرقي

يوسف الفاسي
تكاد تكون جل قراءات الشباب المغربي للأوضاع السياسية ببلدهم تنصرف إلى الوضع بالمشرق ومحاولة إسقاطه على الوضع بالمغرب، ربما لأن الإعلام المشرقي متطور جدا مقارنة مع الإعلام في المغرب وباقي الدول المغاربية، سواء من خلال القنوات المصرية والسورية التي تفننت في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، أو القنوات الإخبارية في قطر والسعودية كالجزيرة والعربية، بالإضافة إلى الإنتاجات المشرقية والخليجية في الغناء والفيديو كليب والبرامج الغربية في نسختها العربية، ..
فأضحت ثقافتنا المغربية في حالة انعتاقها من السياج الغربي الاستعماري، تلبس سياجا جديدا وهو السياج المشرقي المتعدد الروافد، شرق أوسطي، خليجي، تركي وغير ذلك..
وواقع القول أنه ليس هناك مشكل في الاستفادة من أي ثقافة مهما تعددت في تطوير ثقافتك وتنميتها، لكن المشكل المثار هنا هو أن تصبح ثقافة الآخر هي ثقافتك وطريقة ونمط تفكير الآخر هو نمطك، ومشاكل الآخر نستوردها من أجل أن نبني مشاكلنا على مقاسهم..
أتذكر هنا دعوة وزير الدولة المرحوم عبد الله باها قبل سنوات لشبيبتي حركته وحزبه أثناء ترديد شعارات رابعة بمصر إلى الابتعاد عن المشرق والاهتمام بالمغرب، والانشغال بالوضع الداخلي لبلدهم أكثر والاهتمام بالخصوصية المغربية التي خلقت الاستثناء في كل شيء على حد تعبيره..
وإن كان الكثير يقولون بأن ليس هناك استثناء والمغرب ليس استثناء، فلماذا استحضار المشرق وخصوصيته وإسقاطه على المغرب؟ ولماذا إهمال الخصوصية المغربية واستثناءاته؟ أليس لكل بلد استثناءات؟ أليس لكل بلد إنجازات وإخفاقات استثنائية لا تجدها إلا عنده؟ أليس لكل بلد حجمه وتاريخه وحضاراته وعمره الحضاري وتاريخه وعمقه؟
المرحوم باها أثناء تجمع لمؤتمر لمنظمة التجديد الطلابي التخصص الطلابي لحركة التوحيد والإصلاح، لم يقف كلامه في هذا التوجيه، بل أبدى اعتراضه على رفع قواعد حزبه شعار “ثوار أحرار حنكمل المشوار” معللا قوله “أن هذا شعار ميدان رابعة العدوية وليس شعار كلية العلوم بالرباط” وهو المكان الذي أدلى فيه بهذا الكلام..
بل دعا المرحوم باها إلى عدم نقل مشاكل مصر إلى المغرب ونوه بالدور المغربي في الربيع العربي واستثنائه، والتضامن المغربي مع قضايا الأمة بما فيها فلسطين وما حدث في مصر وسوريا وباقي البلدان..
خطاب متوازن وواضح، أن تتضامن مع بلد ليس أن تصدر خطابه وكلامه بنفس الرنة، كأن تقول مثلا “مرسي رئيسي”، بينما لدينا في المغرب ملك منذ أزيد من 12 قرن، ثم تقول في شعار آخر “ثوار أحرار حنكمل المشوار”، وهو شعار باللكنة المصرية وليس المغربية أولا، ثم أن الثائر في مفهومه السياسي هو الحانق على النظام والمطالب بزواله، وأنا متأكد أن الشباب المغربي لا يقصد ذلك ولكنه يريد أن يعبر عن تضامنه بأي شكل من الأشكال، لكن لا ننسى أننا مغاربة وأن تضامننا مع الأمة يجب أن يبقى مغربيا وأن ثقافتنا يجب أن تكون مغربية لا مشرقية ولا فرنكفونية ولا حتى أنجلوساكسونية، هكذا نتقدم وهكذا نتميز، فإذا كنا نتعصب لقضايا الآخر بثقافته، فلماذا لا نتصعب لقضايانا بثقافتنا؟ أو على الأقل لنتضامن مع قضايا الآخر بثقافتنا فنكون بذلك قد كسبنا رهان التضامن بل استيراد المشاكل ونقول “أن المغرب في الطريق إلى ما آلت إليه الدولة المشرقية الفلانية” و”إذا امحت الدولة المشرقية كذا سيكون المغرب كذا”، مع أن المغرب عمره قرون وتجد الدولة المشرقية الأخرى لم تكمل بعد حتى 70 سنة وهنا يجب أن يكون خطابنا متوازنا وعلميا وعقلانيا لا خطابا نابعا من عاطفة ورد فعل أو إرهاب إعلامي..

وفي المقابل قام مجموعة من الشباب المغاربة باستلهام اسم حركة “تمرد” المصرية بالمغرب وعلى نسقها ووفق نفس الآليات التي استطاعت من خلالها الانقلاب على الإسلاميين في مصر، حاولت على نفس النسق نظيرتها المغربية التي استنسخت نفس الإسم ونفس القالب الانقلاب على الإسلاميين في المغرب، إلا أنها فشلت بسبب ضعف صبيب صوتها لدى العمق الشعبي ونشازها في وقت كانت التقاطبات السياسية بالمغرب في أوجها بسبب الارتياح الذي خلفته الملكية للائتلاف الحكومي الذي ضم إسلاميين ويساريين ومحافظين وليبراليين..
إنها محاولة لكي نكون أكثر وعيا ورقيا واحترافية واستيعابا لمشاكل الآخر، كما أنها دعوة لمزيد من الاهتمام والمتابعة لمشاكلها وتوجيهها وتثوير الوعي فيها نحو مزيد من الإصلاح والرقي والعطاء والإنجاز..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *